( 1 )
يحكي في قديم الزمان أن رجل يلقب بالمحموس يسير في البلدان والشعاب بعد عراك طويل وحرب لم تذر أخضر ولا يابس ، حتى وصل لحديقة رناء بها قوم كُثر رجالاً ونساء حاضرة وبادية فأناخ راحلته وسلّم عليهم فرد عليه القوم السلام وقال لهم : ما هذه الحديقة فقالوا لرجل من القصيم وهو يتعاهدها دائماً ويروي زرعه ولكنه يغفل عنها أحياناً فتنهشها بعض الكلاب - أجلكم الله - وتهجم عليها الطيور ولكنه إذا حضر هابه القوم وخافته الوحوش ولكنه كثير الغياب
فقال المحموس : لعلي أنيخ راحلتي لديكم وأجد لديكم الأمان وستجدون عندي من أخبار الزمان وسالف العصر والأوان .. فأنا مرت علي السنون والأيام واستفدت منها ما غاب عن الكثير منكم وما وجدتوا من خير فخذوه وإذا وجدتم غير ذلك فردوه فقالوا : أنصفت فهات ما عندك
فقال المحموس : ...
( 2 )
فقال المحموس : أنا رجل غريب عن دياركم فبلدي ليست بعيدة عنكم ولكن أهلها يختلفون بطبعهم عنكم ، ولهم معكم صولات وجولات في قديم الزمان سفكت فيها دماء ورملت فيها نساء وكلها في سبيل الشيطان والله المستعان ، وقد جبت كثير من البلاد ووجدت العجب العجاب ، فقد أتيت بلداً وجدت أناساً يظنون أنهم صفوة الزمان وملائكة الله في الأرض وأنهم أعلى من غيرهم وأنهم هم الرؤوس وغيرهم الأذناب !! وعندما سألت رجال ونساء ذلك البلد : كم تحفظون من القرآن ؟ فقالوا : نحفظ الفاتحة وعشر سور من جزء عم ، فقلت : وكم شخص منكم يحفظ القرآن فلم أجد إلا بعدد الأصبع الواحدة ، فتعجبت وقلت ربما فاقوا أهل زمانهم بعلم الدنيا فسألت : من منكم صنع صاروخاً أو أنتج غواصة أو يعمل في مفاعل نووي ؟ فلم أجد فيهم من أنتج الشابورة بل لا يعرفون كيف يصلحون سياراتهم إذا خربت فقلت ربما فاقوا أهل الأرض بالغنى فقلت لهم : كم تملكون من المال ؟؟ فوجدت أكثرهم قد غرق بالتقسيط وبعضهم ينتظر قرض البنك منذ عشرات السنين !! فقلت لهم : لا دنيا ولا دين ولا مال فعلام تفتخرون ؟؟ وبما تستنقصون غيركم ؟!!
فلم أجد منهم جواب إلا قولهم : هكذا وجدنا آباءنا يفتخرون ونحن على آثارهم مقتدون !!
فمقتهم وخرجت منهم أجوب الأرض لعلي أجد من يستحق العيش معه
فقال رجل من الحضور : والله يا أيها الشيخ الكبير أن هذه الآفة توجد في كل مكان وحتى في هذه الحديقة ، فمقته باقي القوم وقالوا له : لا تسب أهلك واستر عليهم فالستر سمة أهل الإيمان
فقال المحموس : لا توجلوا ولا تخفوا فأنا في بلدي القريبة منكم يعيشون على ما يعيشه غيرهم
وتفاجأت أن جميعهم قاموا !! فقلت : ما الخطب
فقالوا أتى صاحب الحديقة عبد الستار فسلمت عليه ووجدته لا يتكلم إلا القليل
ثم سأتني أحد الحاضرات بحياء : هل أنت متزوج أيها المحموس ؟؟ وكم لديك من الأبناء ؟ وتعجبت من سؤالها وعلمت بعد ذلك أنه يقال لها ذاهله
فقلت لها .....
( 3 )
فقال المحموس : أنا لي بالزواج تجارب وقصص وربما لا تعجب الكثير منكم !! فقالوا : بل تعجبنا فقص علينا القصص إنا نراك من المجربين ..
فقلت لهم : عاهدوني أن لا يغضب رجالكم ونساءكم مما أقول ، فأنا صريح ولا أحب اللف والدوران لأننا عشت حياة سوبر مان
فقالوا : نعاهدك على ذلك
فقال المحوس : كنت وأنا شاباً أريد الزواج لأني رجل أحب الذرية وأعشق الرومانسية ، فعجل أهلي بتزويجي من بنات بلدي ، فتزوجتها بأسرع ما يكون ووجدتها تريد إسعادي وتخشي إغضابي وأنجبت منه ذرية ثم قلت : قولوا أصلحهم الله ، فعج القوم جميعا بقولهم : أصلحهم الله لك
فرأيت تهلل حديثي في وجوه القوم
ثم أردفت قائلاً : ولكني كنت عاقداً العزم على الزواج مرات كثيرة لأني أعلم نفسي وأفهم حاجتي ، ففهمتها بأني أريد أن أنكح ثانية فلم أجدها تمانع لما وجدت من حاجتي بل أنها قالت : أختر من تراها تناسبك فأنت لا ينقصك شئ ، وذهبت لمن سبقني وشاروته
فقاطعتني إمرأة يقال لها : دولاب وقالت بصوت غاضب : وأنتم أيها الرجال لا تعرفون من الحياة إلا الزواج !!
وقد جربت الحياة مع الأزواج فما هي إلا نكد وأنتم طينة واحدة
فقلت لها : تمهلي أثابك الله حتى أكمل قصتي ولا تقطعي حبل أفكاري
فأشار له القوم بأن أصمتي حتى نرى آخر قصته
فقال المحموس .....
( 4 )
فقال المحموس : وعندما استشرت الرجال وجدت لهم أذواقاً مختلفة ومشارب متنوعة ، فكل يدلي برأيه وكل يقول لي مشورة ، فبعضهم يقول : لا تتزوج حتى لا تقع بما وقع به غيرك من الهم والنكد ، وبعضهم يقول : أقدم ولا تحزن فأنت ستدخل بحراً تجيد سباحته ، وآخر يقول : إذا تزوجت فلا تقع إلا على شئ يستحق من أجله التضحية والنكد
فذهبت لبيت الله مستخيراً ثم : أنشرحت نفسي وهاجت روحي للزوجة الثانية ، فقلت لقريبتي وعمتي أبحثي لي عن زوجة أريدها بكراً وجميلة وذات نسب نسيب فقالت : يا ابن أخي وهل تظن أن الأبكار سيقبلون بك وأنت قد شارفت الثلاثين ولديك زوجة وأبناء !! وهل تظن أنك في عصر أبي وجدي حينما كانت البنت تأتمر بأمر أبيها ؟!!
أنك في عصر غز فيها الغرب عقل بناتنا ولعب الإعلام في أفكارهن فكل من تتقدم لها ستراك خائناً لا مطبقاً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم
عند ذلك قالت إمرأة في الحديقة بصوت غاضب : والله لقد صدقن وأن هذه هي الخيانة !!
تعجبت من جرأتها وقلت لها من أنت عفا الله عنك ؟
فقالت أنا : نور القمر وأنا من كلفت على كثير من أمر هذه الحديقة بل على رجالها ونساءها وأنا من أحدد لهم كيف يتكلمون عن زوجاتهم وعن طرق حياتهم ..
فالتفت للرجال ورايتهم سكوت فقلت : سكوتكم يستحق من يجعل عليكم مثل هذه فقال أحدهم وعينه تدمع : هذا زمن تعلو فيه القصة على الشارب
فقلت لها : ....
( 5 )
فقالت لها : يا أمة الله وهل في شرع الله ما يضركم ؟؟
فقالت : لا ولكن نحن معشر النساء نغار ولا نريد من يشاركنا برجالنا
فقلت لها : استحلفك بالله ونحن في بلد الحرمين لو كانت بنتك مطلقة وقد ظلمها زوجها بذلك ، ثم تقدم لها رجل متزوج أكنت تقبلين به زوجاً لها أم ترديه ؟!!
فسكتت منحرجه ، فأسر لي رجل بجانبي يقال له أبو عجه : والله إنك حكيم الزمان وقد أصبتها بمقتل لأن بنتها زوجة ثانية لرجل من بلد آخر
فقلت : سبحان الله أترضاه على بنات المسلمين ولا ترضاه على نفسها !!
فقلت وأرى القوم أنقسموا قسمين معي وضدي ووجدت أحدهم يقول والله أتمنى أن أكون معك ولكني أخشى غضب عشيقتي وهجران حبيبتي فأنا جارح من يجرحها ومعادي من يعاديها ..
فقلت : كن معها ولا تنس أنها ستوردك المهالك يا أخا العرب
ثم قلت لهم : فتقدمت للزواج من بنات بلدي وكل بكر ترفضني ولم أجد من تقبل بي إلا مطلقة معها حزمة اولاد أو أرملة تبكي على أطلال زوجها !!
فقلت لهم : أتقوا الله في فأنا أريد الزواج بشرع الله وليس لدي ما ينقصني
فقالوا : لا مجال إلا أن تتزوج أكبر منك سناً وستستفيد منها بتجاربها السابقة ، فقلت لهم : وماذا أريد بخبرتها فأنا لن أفتح مصنع بها فأنا اريدها زوجة تصغرني وأكون قيماً عليها ، ولكني كنت انفخ في قربة مخرومة
فغضبت من هذه العقليات ومن هذه التصرفات
فأتاني حكيم من بني بلدي فقال : أيها المحوس إني اشير عليك بأمر بها تُحقق مرادك وتنجلي به أحزانك
فقلت : ما هو ؟!!
فقال : ...
يتبع